الاثنين، 20 نوفمبر 2017

كيف يفكر الأطباء؟


لاحظت مؤخرا عند حديثي مع زوجتي في مواضيع عامة اني أسلك دور الطبيب في أسئلتي وطريقة تعاملي مع المشاكل (بالطبع ليس أمرا جيدا - صاير محقق)! الامر مثيرٌ بالنسبة لي حيث ان مهنتك مع الوقت تشكل طريقة تفكيرك في الحياة وتعاملك مع مشاكلها بشكل لاتدركه .. الآن فهمت لماذا تضل الشركات ضل الإداريين بخلفية هندسية!




بعد هذه الخاطرة بدأت افكر:  كيف نفكر كأطباء؟ وكيف يجب أن نفكر؟ وجدت بعض الأطر العامة .. واكتشفت مدى أهمية ان تعي كيف تفكر وكيف يجب ان تفكر مما يجعل هذه المبادئ دائما على البال لتجد طريقها في الحياة اليومية .. أجد أيضا ان طرق التفكير هذه لاتنحصر في المجال الطبي وتفيد بشكل عام في أي مجال آخر.



- البحث عن جذور المشكلة أساس الحل: يتشكل الجزء الأكبر من عمل الطبيب في أخذ التاريخ المرضي والفحص السريري ومن ثم الفحوصات .. كل ذلك لهدف واحد هو إيجاد المشكلة .. الطبيب لايبدأ في التفكير عن الحلول او العلاجات قبل ان يستنزف كل مالديه لمعرفة المشكلة ومسبباتها بالتحديد .. يستثمر الكثير من الوقت ويبحث عن التفاصيل الصغيرة التي قد تدل على السبب .. الطبيب في حالة تحدي مع الحالة إلى ان يكون واثقا مما يواجهه .. عند ذلك يكون العلاج نظريا امرا يسيرا مقارنة بالتحدي الأول .. عندما تكون الحالة غامضة ولم يصل الطبيب إلى تشخيص تصبح كل الطرق العلاجية وماوصلت إليه من تقدم ترفا لافائدة منه!


- أبعد المعلومات المشتتة : عندما تقابل المريض لأول مرة فسيمطرك  بكمية هائلة من المعلومات عن اعراضه وعن حياته .. كثير منها مهم للتشخيص وكثير منه مضلل .. رسم الخط المهم والمعلومات ذات العلاقة والتخلص من غيره فن يتطور مع الوقت والخبرة وهو مهم جدا لان لا تخلط بين الأمور فيعصب التشخيص .. مع المحافظة على عدم تجاهل الأمور الصغيرة ذات العلاقة ..


- الصورة الكبيرة: اذا اخلطت الأمور وكثرت التفاصيل وبات التشخيص معقدا.. حاول التفكير في الصورة الكبيرة مما يساعد كثيرا لقيادتك نحو مجموعة امراض معينة ومن ثم تمشي في ذلك الطريق .. مثلا: مريض بصداع مزمن لفترة طويلة مع حرارة وانخفاض في الوزن  ولم يكن التشخيص واضحا (تفكر في التهابات مزمنة .. اورام .. امراض مناعية ..) .. ابتعد للصورة العامة وابدأ في اقناع نفسك لماذا لا يكون التشخيص احد تلك الأمور.


- الشائع أولا: كل شيء ممكن وقابل ان يحدث .. لكن فكر أولا بالشائع والبسيط .. اذا رأيت مريضا بكحة لمدة أسبوع هل ستفترض انه فايروس او سرطان رئة؟ بالطبع التفاصيل مهمة ولكنك لن تقوم بتحاليل و أشّعة مقطعية في تلك الحالة عادة.. مالم يكن هناك ما يدعوا للقلق فالشائع أولا مالم يثبت العكس!


- الأصل أنه امر واحد: الجسم البشري معقد وتتداخل وظائفه بشكل كبير .. فكثيرا ماتجد اعراضا لأجهزة مختلفة بالجسم .. الأصل دائما ان كل هذه الاعراض وان بدت غير واضحة الترابط هي لمسبب واحد .. حاول شرحها تحت مسبب واحد .. طبعا هناك استثناءات خصوصا في مجال الطب النفسي حيث الأصل تعدد المسببات!


- تواضع مقابل تقييمك: مهما كان تقييمك للحالة فهو في النهاية عبارة عن معلومات تتجمع لتعطي انطباعا معينا .. أحيانا تكون النتيجة قاطعة مع التحاليل .. ولكن لاتنسى أنه في أحيان كثيرة لا تكون النتيجة او تقييمك حاسما .. فالطب ليس علما رياضيا ولكنه تداخل بين أعراض من جانب المريض وتحاليل من جانبك .. تواضع لتقييمك وتقييم غيرك للحالات.. اقبل بأن تضع علامة استفهام حول صحة التقييم الاولي! اذكر عبارة طبيبة ان من أهم أسباب الأخطاء الطبية التسليم للتشخيص الأول وعدم مراجعته.


- لكن عندما يفشل الحل تأكد انه تم كما يجب له ان يكون:  أحيانا تواجه حالات لم تستجب للعلاج .. مع تأكدك من التشخيص ستحتاج الى استعمال علاج جديد او رفع الجرعة .. قبل ذلك اذا لم يفد العلاج .. تأكد من أنه أعطي فعلا كما يجب بالجرعة المناسبة وبالطريقة المناسبة  .. على سبيل المثال يأتي للطوارئ أطفال بحالة هيجان للربو .. يقول لك الاهل انهم جربوا البخاخ بلا فائدة في البيت .. بإمكانك ان تأخذها كمعلومة مسلّمة وتعطيهم علاج آخر في الطوارئ .. او تستوضح فتجد انهم أعطوا الطفل بختين بدلا عن 6 بخات وبدون قمع الأطفال!


- إذا لم يفيد العلاج تساءل عن التشخيص: أحيانا يتم تشخيص بعض الأمور البسيطة بإعطاء العلاج وبملاحظة المردود .. مثلا شخص لديه فقر دم .. لست بحاجة –عادة- لإجراء كل إجراءات تحاليل أسباب فقر الدم .. اذا كنت مقتنع انه فقط بسبب نقص الحديد اعطه حديد مكمل لمدة 3 شهور ثم قيم التحسن (اذا ارتفع الهيموقلوبين للطبيعي فهذه علامة على ان هذه هي المشكلة) .. على العكس اذا فشل علاج لاحد المرضى تساءل عن التشخيص.



أسعد بأي أفكار أخرى حول هذا الموضوع ( :






الأحد، 5 نوفمبر 2017

لماذا تنتحر؟


خلال عملي الأسبوع الماضي في العناية المركزة للأطفال تم تنويم حالتين لمراهقتين بسبب محاولات انتحار بتناول ادوية بكميات كبيرة .. الامر ليس بمستغرب وتمر علينا حالات شبيهة بشكل متكرر .. أتساءل لماذا لانرى هذه المشاكل في السعودية ؟ وهل سيأتي يوما ما نشاهد فيه حالات مشابهة بازدياد؟





إحدى الحالتين التي تم تنويمها كانت بسبب مشاكل عائلية وضغوطات أخرى وهو أمر شائع وكثير في الغرب بشكل عام .. والمشاكل العائلية بالطبع موجودة لدينا لكن حدتها لاتصل لذلك الحد من تصعيد المشكلة وسرعة وصولها للقضاء والانفصال وتضرر الأطفال .. الخلافات والمشاكل العائلية لدينا تكون بشكل مختلف نظرا لدور الرجل والمرأة وطبيعة العلاقة التي تعطي للرجل سلطة أكبر .. فكثيرا ما تتحمل النساء ذلك ويكونون الضحية مقابل بقاء المشكلة محدودة .. فنظرة المرأة  للعائلة في العالم العربي عموما مختلفة عن الغرب ، حيث لايزال للعائلة واستقرارها قداسة تدفع لان يحتمل الفرد استمرار سير حياة العائلة على حساب صحته ونفسيته .. أما في المجتمع الغربي فالرضى الشخصي والفردانية عامل مهم وله قدر كبير ..أيضا فالعلاقة ندية بين الرجل والمرأة يجعلها لا تتحمل ابدا ان تكون في دور المظلومة ، فتصعد من الخلاف ويتحول الامر الصغير الى مشكلة فعلية



الحالة الثانية كانت للأسف لأمر اقل من ذلك – على ما يبدو- .. فالفتاة تعاني من الدراسة وتبذل جهدا كبيرا لتحصيل اكبر قدر من الدرجات .. حصل لها عارض صحي حال بين حضورها للمدرسة لاسبوع .. ومع مشاكل مع زميلات المدرسة أيضا قررت الانتحار .. هنا أيضا أرى فرقا في النظرة للحياة – خصوصا بين المراهقين- .. فهناك فرق بين مجتمعات تربيك على ان الحياة كلها نجاحات وعلاقات سعيدة وما سوى ذلك جحيم .. على الجانب الاخر نظرة أخرى للحياة انها مصاعب وتحديات على الفرد ان يواجهها بروح هادئة وتسليم .. وهنا يختلط الدين مع النظرة المجتمعية ..



وأخيرا في حال انسدت الطرق تبقى لدينا اسوار أخرى كالوازع الديني او العيب الاجتماعي حائلا الا نرى مثل تلك المظاهر .. فأن تحدث حالة انتحار ليس بأمر مستغرب في الغرب .. فمن ضاقت به الدنيا قد تراوده تلك الأفكار سريعا كأمر "شبه طبيعي" لمن يمر في تلك الحالة ..



مع ذلك ومع سرعة التغييرات الاجتماعية ونظرة الفرد للحياة ومعنى الاسرة هل سيكون الزمن قريبا لنشاهد شيئا شبيها؟

الأحد، 13 أغسطس 2017

كيف تجعل عرضك مثيرا؟


انتهيت اليوم من كتاب


قرأته على فترة متقطعة .. وهو من الكتب التي احس بتأثيرها على العروض التي احتاج لتقديمها .. للأسف معظم ما نقدمه في المستشفى عبارة عن مواضيع طبية علمية وغالبا ما تكون ميته وجامدة ومملة .. وبالرغم ان هذا الكتاب موجه للعروض العامة وعروض الشركات .. لكني وجدت قابلية تطبيق أفكاره لمثل عروضنا العلمية .. فقد لاحظت فرق استخدامها خلال عروضي الأخيرة وكيف انها تشد الانتباه (على الأقل حسب عيون المستمعين وردود فعلهم بعد المحاضرة)



حبيت ألخص اهم الأفكار هنا كمرجع لي و افادة للغير .. العروض الموضوع عبارة عن مهارة .. بقدر ما تحاول استعمال أفكار جديدة وتطوير نفسك بقدر ما تبدع وترى الفرق .. باختصار القواعد هي:


-1-
الشغف

لن تستطيع شد انتباه الحضور مالم يكون الموضوع مثيرا لك شخصيا وبداخلك إحساس بأهمية ماتقدمه .. يأتي هذا العامل بالنسبة لي عند اختيار الموضوع ..  اختيار ماستتحدث عنه مهم جدا .. يجب أن تحس وانت تبحث وتجمع المادة انك مهتم لتضيف لنفسك ومن ثم تضيف لمن سيستمع .. أحيانا تقدم مواضيعا تكون معروفه للحضور .. مع ذلك بإمكانك دائما ان تضيف مادة جديدة تثير فضولهم ..
أحيانا تضطر لتقديم موضوع لا يجذبك كثيرا .. حاول ان تولد لديك شعور الشغف بفكرة أخرى مرتبطة بالموضوع بأي ناحية (نقل العلم .. نشر السعادة .. تطوير تجاري ..)




-2-
اصنع قصة

يقول ارسطو ان الاقناع يكون بثلاثة عوامل (المصداقية .. منطقية الحجة .. العاطفة) .. جانب العاطفة مهم والقصة مفتاحها .. القصة تجذب المستمع وتضعه في مرحلة ترقب ..

بالطبع يجب ان تكون القصة مرتبطة بالموضوع .. قد تكون قصة حصلت لشخص ما ولديك تفاصيلها.. لكني أجد افضل الأنواع القصص المرتبطة بك شخصيا وتحديدا لو ارتبطت بعاطفة .. إضافة الصور او الفيديو يضيف الكثير أيضا .. .. ستستغرب أن بإمكانك إضاقة قصة عن كل موضوع تتحدث عنه تقريبا!

  
-3-
حاور الحضور

بدل ان تجعل العرض عبارة عن كلام تقرؤه  .. اجعل تركيب العرض وأسلوبه حواريا .. لاتحتاج ان تسألهم ان يجاوبوا أسألتك .. بإمكانك على الأقل صنع أسئلة على طول العرض وتأخذهم إلى اجاباتها .. حاول ان تصنع لديهم فضولا لمعرفه جواب كل سؤال ..



-4-
علّم شيئا جديداً

جزء من هذه النقطة تتعلق النقطة الأولى وهو أن يكون موضوعك مثيرا وفيه شيء جديد .. لكن هذه النقطة تتعدى ذلك .. فأحيانا تضطر لتقديم معلومات مجردة قد تكون مملة أو معروفة .. اذا قدمها بطريقة جديدة (اربط ارقامك ومعلوماتك بقصص .. قارنها بأمور أخرى ..) .. أيضا إذا كان جمهورك من شريحة واحدة بخلفية واحدة علمهم شيئا جديدا خارج تخصصهم له ارتباط بموضوعك


-5-
اصنع لحظات مدهشة

ذكر المؤلف قصة كيف جذب بيل قيتس الجمهور في عرضه عن الملاريا .. فتح علبة فيها بعوض واطلقها قائلا : "الملاريا تنتشر بالبعوض .. احضرت لكم بعضها لتنتشر في الغرفة.. ليس الفقراء فقط يجب ان يتعرضوا للملاريا"

قدِّم المعلومات المجردة بطريقة جذابة .. بإمكانك قول نفس الامر بمئة طريقة .. مثلا قدم إحصائية عن تطور سعة تخزين الحاسبات بعرض صورة اول جهاز تخزين مقارنة بالاجهزة الحالية حجما وسعة .. اجعل لديك دائما تحدي ان تقدم المعلومة بطريقة جديدة وجذابة ..

ادخال العاطفة والقصص تزيد من ارتباط الجمهور وترسيخ المعلومات .. استعمل القصص لخلق الدهشة


-6-
استعمل الفكاهة

استعمل الفكاهة ولاتأخذ الموضوع بجدية شديدة .. مع ذلك فإن أسوأ شيء تفعله هنا هو أن تحاول ان تكون ظريفاً! فقط كن أنت واستعمل أسلوب فكاهتك الخاص .. اذا اضحك شيء واعتقدت انه ظريف ضعه .. اذا كان اسلوبك استعمال النكت فاستخدمها حسب مايناسب .. وبالطبع فيمكنك استعمال الصور والاقتباسات كوسيلة ترفيه ..




-7-
قاعدة ال18 دقيقة

معروف ان العقل له مدة معينة يبدأ بعده بفقد التركيز .. حاول ان تختصر رسالتك قدر الإمكان .. ان اضطررت ان يطول العرض فاجعل فيه فواصل تجدد نشاط الحضور (تحتاج غالبا شيء مسلي او مثير)

أيضا حاول دائما أن موضوعك ينصب في محاور رئيسية .. ثلاثة كحد أقصى .. بحيث يسهل على المستمع استيعاب الصورة الكبيرة والا يضيع كثيرا في التفاصيل ..



-8-
استخدم الحواس

استبدل النصوص قدر الإمكان بالصور .. اجعل الحضور ينظرون اليك كمصدر لا الى  شرائح العرض .. الصور مقارنة النصوص اكثر جذباً واكثر رسوخا في ذهن الحضور .. اذا كان بامكانك احضار شيء محسوس للعرض فهذه إضافة أخرى كبيرة


-9-
تحدث من داخلك

تحدث من قلبك ... ان كان لديك مشاعر مرتبطة بالموضوع شاركها ..





في النهاية هذه أفكار مختصرة جدا .. الكتاب يعرض تفاصيلا وامثلة كثيرة ..  كنت اتحدث اثناء قرائتي للكتاب مع احد الأقارب من كبار مدراء شركة أمريكية ضخمة .. معروف اهتمام الامريكان بالموضوع .. كان يقول لي من خلاصة تجربته ان اهم عامل هو التحضير الجيد وكثرة التدرب على الموضوع مرات قبل إلقاءه مع اختصار الرسالة وتركيزها قدر الإمكان .. وبالطبع جانب استبدال النصوص بالصور ..

الأربعاء، 12 يوليو 2017

موضة الأفكار والنائحة المستأجرة


في زمن تعددت فيه فنون التأثير والضغط الإعلامي .. يصبح جهادا على المرء أن يحتفظ برأي مستقل .

خلال الحقبة الأخيرة كانت هناك موجة من تيارات الأفكار المسيطرة .. فبعد نكسة 67 خفتت قوة التيار العروبي كحل للأمة ونهضتها .. حل بعدها بسنوات الدين كمخلص .. ونرى تراجعا وتغيرا مستمرين في تأثير الصحوة كتيار..

نعرف الكثير ممن الذين تغيروا فكريا وثقافيا فاختلفوا عن تيار الصحوة ..  هل كانت لديهم بالفعل قناعات عميقة؟ أم انها جاذبية الفكرة وقوتها الاجتماعية تراجعت فجلعت مسلمات الامس أسئلة وشكوك اليوم؟


الفضاء يعج بكثير من الأفكار .. تأتي الظروف لتصنع من أحدها بطلا ومسيطرا فتكون جذابة للكثير للانضمام تحتها والسير خلفها بإيمان عميق .. من يدخل تحت هذه الفكرة أو ذاك التيار لايعني أنه مجرد فرد ساذج الذي انساق بلا تفكير .. وإنما حسن تسويق الفكرة مع إثبات وجودها ونمو تيارها وعلو صوتها تجعلها أكثر جاذبية للقبول والاتباع ..

تلك الأفكار قد تكون عبارة عن منظومة فكرة متكاملة يتبناها الفرد (صحوة إسلامية .. عروبة .. ليبرالية .. الخ) وقد تكون عبارة عن أفكار صغيرة يروجها من يروج لها وتجد السبيل إلى من يشتريها ويتبناها وينادي بها في السوق .. السياسة والإعلام لاعبان أساسيان في لعبة تغيير الأفكار هذه .. وللأسف ننجر وراء الكثير منها فنؤمن اليوم بما كفرنا به بالأمس .. وقد يدعوننا للايمان مجددا في الغد! كل هذا ونحن مغيبين عن كثير من الحقائق فلا يصل لمن لايمعن فيها الا ما أريد له أن يعرف!

الثلاثاء، 7 فبراير 2017

التعليم بالتحطيم!

عملت الأسبوع الماضي مع مدير برنامج طب الأطفال لجامعة مك ماستر في العشرة السنين الماضية .. تنحى هذه السنة بعد أن حاز في 2016 على جائزة أفضل مدير برنامج تدريب طبي على مستوى كندا .. لن أتحدث هنا عن إسهاماته في مجال التدريب الطبي والذي يتطور باستمرار ويمر حاليا بمرحلة تحول جوهرية.. وانما اتحدث عن تجربتي الشخصية معه..

معظم من تعمل معهم في المنشئات الطبية التعليمية يكونون بمستوى علمي جيد وبإمكانهم نقل المعلومات لك .. لكن قليل هم القادرون على أن يتعدى دورهم لأكثر من ذلك بالتأثير عليك كشخص!

ما لمسته في هذا المعلم أنه ينقل قيمة نادرا ما يلقي لها الناس اهتماما: الثقة .. فمع أننا حاليا في السنة الأولى في البرنامج ولايُتوقع منا الكثير .. يستشيرك خلال نقاش الحالات وكأنك زميل بنفس المستوى .. وعندما يوجه طلاب كلية الطب الأسئلة له يحولها تلقائيا لك! ستكتشف فجأة أن لديك القدرة على أن تناقش الحالات وتجيب على معظم أسئلتهم.. الشيء الذي كنت تعتقد أنك بعيد كل البعد عن تحقيقه!


المعلم الجيد هو الذي يحاول باستمرار أن يؤكد لك من خلال المواقف أنك بمستوى جيد! الذي يكشف لك أمورا كنت تجهلها عن نفسك! الذي يدفعك مبكرا للمرحلة المقبلة في التعلم ويضعك في تحدي مستمر مع نفسك .. اكتب هذا الكلام من رحم تجربة تعليمية مختلفة كانت تعتمد غالبا على إحساس المتلقي بالفجوة العلمية كأداة للتحفيز! اكتب هذا الكلام تذكيرا لنفسي وعبرة لمن ولاه الله أمراً!