الأربعاء، 29 يوليو 2009

مذكرات عابر -3-

عند وصولي في اليوم الاول اشتريت بطاقة الباص التي تمكنني من استخدام اي باص في اي وقت ولأي مكان .. حتى لو قررت ان اجلس في الباص اتجول من طلوع الشمس الى غروبها فلن يمنعني احد من ذلك !! كنت متحمسا ان أجاوب على تساؤلي الذي كنت أفكر فيه قبل ان أصل الى فانكوفر .. كيف لمدينة بمثل هذا الحجم ان تعتمد على نظام الباصات والنقل العام ؟؟ واذا كانت التجربة ناجحة هنا فهل يعني ذلك انها ممكن ان تنجح في مدينة مثل الرياض ؟؟
في البداية هناك فرق بين الرياض وفانكوفر مع ان كلاهما مدن كبيرة .. فشوارع فانكوفر اصغر ولا وجود لطرق سريعة داخل المدينة .. استغربت ان معظم السكان المستقرين في هذه المدينة يستعملون سياراتهم غالبا .. ولكن بالرغم من ذلك توجد شريحة كبيرة تستخدم الباصات والقطارات .. باعتقادي ان هذه الشريحة اما من الطبقة الكادحة او الطلاب او من الطبقات الاخرى ولكن يستعملون الباصات بين حين وآخر لتنقلات معينه خاصة الى مركز المدينة (الداون تاون) بسبب ازدحام المواقف ووجود الرسوم عليها ..

نظام النقل هنا ليس بجودة نظم النقل في مدن اخرى صغيرة مثل نظام مدن بريطانيا فنظام النقل في مدينة كامبردج البريطانية يدخل الى داخل الاحياء ويوصلك احيانا الى امام باب بيتك اما هنا فيوصلك الى الحي الذي تعيش فيه وعليك اكمال الباقي مشيا .. اتوقع لو تم وضع نظام شامل للنقل العام في الرياض فسيكون اما بجودة نظام فانكوفر او اقل .. مثل هذا النظام لا يعتمد عليه بشكل كلي فهو يحتاج الى كثير من المشي وشعبنا وانا منهم لن يتنازل عن سيارة مكيفة وبأسعار بنزين خيالية وبمواقف مجانية الى نظام نقل يتطلب مني انتظار الباص ثم المشي الى مقصدي ..

لسوء حظي ان المحطة التي انزل فيها من الباص تقع في تقاطع شارع يعتبر من مراكز تجمع المشردين (homeless) .. عندما انظر الى وجوههم احس انني انظر الى مخلوقات اخرى .. بالفعل فوجوههم غريبة وتصرفاتهم اغرب .. فهم كالمجانين ان لم يكونو بالفعل كذلك !! يعيشون في الشوارع .. لا يعملون .. حياتهم عبارة عن معادلة بسيطة : اكل + شرب + نوم + قهوة + مخدرات .. لا اتوقع انهم يعيون ان هناك زمن او وقت .. لا يعلمون ان هناك دولة او نظام !! اكبر تجمع لهم في فانكوفر والمدن المجاورة بسبب انها ادفئ مدن كندا في الشتاء ...

الجميل في النقل العام انك ترى الناس كل صباح هذا ممسك بقهوته والاخر بجريدته فيزيد نشاطك بدل ان تكون لوحدك في سيارتك تتصارع مع النوم .. اشاهد الناس من حولي وأحاول ان أتخيل انماط حياتهم .. انها بالفعل قائمة على العمل والمتعة .. اعمل لاجني ما يمكنني من الاستمتاع .. وهذه حياتهم .. صحيح ان منهم من يعيش لاهداف سامية ولكنهم قليلون !! الجميل في الاسلام ان من يعيشه فهو يعيش لهدف سامي .. هدف لنفسه وهدف لمجتمعه والارض التي يعيش عليها .. وكلا الهدفان متداخلان .. فمن عاش ليبني شيئا في الاخرة فلا بد ان يطبق تعاليم دينه في خدمه الناس ... ومن عاش ليخدم الناس فقد خدم هدفه الاخروي ...
فكرت في الدافع الذي يدعوني للدعوة الى الاسلام ... كان الدافع الذي في نفسي ولم اعيه هو دافع حب انتصار الدين ... فأحب ان يزيد عدد المسلمين حتى يرتفع شأنهم ويشار الى هذا الدين المتنامي .. لكني اكتشفت ان هذا الدافع اناني .. ان الدافع المفترض ان يكون دافع حب بني البشر .. حبنا للبشر يدفنا الى جعلهم يتذوقون حلاوة هذا الدين .. حبنا للبشر يدعونا الى ان نجعل لحياتهم طعما واهدافا يعيشون ويموتون لأجلها ... حبنا للبشر لنخرجهم من الظلمات الى النور .. ومن الكآبة الى السعادة ..

الأحد، 19 يوليو 2009

مذكرات عابر -2-

يوم الجمعة هنا آخر ايام الاسبوع .. لا أدري لماذا فارقني احساس كئابة يوم الجمعة المعتادة !! من المحتمل انه يوم ولادة ( الويكند ) هنا على غير العادة ان يكون هو هادم اللذات !! لكن بالرغم من ذلك يشترك الجمعة هنا وهناك بأنه يوم مشهود لكل مسلم ... فأفراد الجالية الذين قد يهجرون المسجد طيلة الاسبوع يتواجدون في الثانية ظهرا هنا .. مشهد المسجد هنا بأن يكون مركزا للمسلمين تنطلق منه مشاريعهم وتتوحد فيه همومهم يذكرني بدور المسجد أيام الرسول عليه الصلاة والسلام .. بعد انتهاء الصلاة وعلى غير ما تعودت يدب النشاط في المسجد بدل ان ننصرف بخشوع .. الاصدقاء يلتقون في مجموعات صغيرة ترتفع اصواتهم وضحكاتهم .. على الابواب ينتشر جامعو التبرعات .. عند المدخل انتشرت رائحة الطعام من الطاولة الممتدة ... حقا انه يوم الجمعة .. يوم الاجتماع ..

في يوم الجمعة ايضا يجتمع الطلاب في النادي السعودي قبيل المغرب .. الغريب في الامر ان هذا النادي الرائع الذي يجمع الطلبة السعوديين وعائلاتهم قائم بشكل شبه كلي على الطلبة ماليا و اداريا .. اليوم جرى الترتيب لمعرض "اكسبو" (انصح بمشاهدة الفيديو) ... كم اشعر بالحزن كيف ان هذا المعرض المهم للتعريف بالاسلام والبلد لا يلقى الدعم الحكومي الكافي لتغطية تكاليفه .. وكم احس بالفرح عندما اعلم ان معظم هذا المجهود الجبار يأتي بمبادرات الطلاب وجهدهم واموالهم ... بتضحياتهم حصلو على المركز الاول في معرض السنة الماضية من بين العديد من الدول .. وهم في طريقهم اليه في هذه السنة بإذن الله ..

اليوم ولأول مرة أسمع عن معهد محمد صلى الله عليه وسلم لبحوث الكون .. انها المبادرة التي صنعت هذا المشروع الطموح .. فعالم الفضاء البروفسور الفقير وهو مسلم كندي أراد ان ينشأ معهدا علميا بحثيا في مجاله مبادرة منه ليحاول ان يعيد المسلمين الى مسارهم في علم الكون والفضاء خاصة بعد ان رأى ان الكثير من قيادات مراكز بحوث الفضاء العالمية يديرها مسلمون .. كم كان كلامه مؤثرا عندما قال ان الفضاء يحوي مراكبا عليها كل لغات الكون الاساسية .. الصينية .. الهندية .. الانجليزية .. الا اللغة العربية ...
لدينا المال الكافي والعقول المبدعة فلماذا لا ننظم تجمع لهؤلاء العلماء حتى يصبو جهدهم في خدمة شعوبهم وأمتهم بدل خدمة غيرهم ؟؟ هكذا فكر البروفسور .. اتصل بالعديد من هؤلاء العلماء على رأسهم البروفسور المصري فاروق الباز ومعه قرابة 25 عالما اخرا .. حسب الخطة فإنهم سيطلقون قمرا بعد 5 سنوات بإذن الله مكتوب عليه "محمد" .. وحكى لنا البروفسور قصة اختيار الاسم "معهد محمد صلى الله عليه وسلم لبحوث الكون" .. فعندما اتصل البروفسور بالسلطات الكندية لتسجيل المعهد رسميا قال له المسؤول ان محمد اسم ديني .. ولك الخيار ان تختار بين منظمة دينية او منظمة علمية بحثية !! فحاول البروفسور اقناعه بأن محمد صلى الله عليه وسلم اول من دمج الدين مع البحث والعلم .. وبدأ بسرد القصص له .. وعندما انتهى قال له المسؤول : " كيف اصبحت مسلما ؟؟ " .. فقال له البورفسور : " ارجوك لا تعلن اسلامك الآن على الهاتف فهذا سيسبب لي الكثير من المشاكل !! " ... الجميل في المعهد انه لا يرتبط ببلد ولا بجنسية ... انه معهد اسلامي عالمي مقره كندا .. لا يهدف فقط لصنع مركبة فحسب وانما لتوعية عقول الجيل المسلم الحالي الى اهمية العلم ... فلديه العديد من البرامج الجماهيرية للجالية المسلمة في كندا ..

هنا نقطة لفتت نظري .. كيف لبلد ننظر اليه معاديا للإسلام يوافق على انشاء مثل هذا المعهد فوق ارضه و
بهذه التسمية بالذات ؟؟ تساوي الفرص هو مايميز هذا البلد .. اتمنى ان ادون عن هذا لاحقا ..

الخميس، 9 يوليو 2009

مذكرات عابر -1-

انتظرت على البوابة ثم دخلت في النهاية بعد ان تلاشى الازدحام .. لا ادري لماذا يتسابق الناس على البوابات بهذه الطريقة !! والله الدنيا ما تطير !!

في مطار فرانكفورت الذي انتظرت فيه 6 ساعات كون الشباب السعوديون روابط صداقة جديدة وسريعة ... يجلسون مع من تيسر لهم ويبدؤون في "السواليف" ولا ينتهون الا مع نداء الطائرة .. لم يحالفني الحظ فلم اجد احدى هذه المجموعات التي تعرفت عليها لاحقا .. او ان الحظ حالفني انني لم اضيع تلك الساعات معهم !! بعد ان سمعت اصوات ضحك عالية في المطار رفعت رأسي عن رواية دان بروان لأرى من هؤلاء الذين يضحكون بهذه الاصوات العالية ... لا بأس عليكم يا عرب ترفعون رأسنا في كل محفل !!

في الطريق من فرانكفورت الى فانكوفر كان المقعد الذي بجانبي خاليا ... بعد فترة طلب احد السعوديين من المضيفة الانتقال بجانبي حيث ابتلي بجيران مشغولين !! يقول لي : ( والله هذول شغيليين ... من يوم ما دخلت وهم يكتبو !!) .. سألته عن سبب مجيئه لدراسة اللغة فشرح لي هدفه ان يتوظف في شركة بريطانية تعمل في السعودية .. قلت له : ( طيب اذا حققت هدفك ايش هدفك الاكبر من هذا ؟) ... قال : ( يعني لو توظفت في هذي الشركة كم سنة اجمع فلوس وانقل المدينة وابنيلي عمارة واعيش باقي حياتي هناك !!) ..قلت : ( يعني هذا اكبر هدف في حياتك ؟؟ ) ... اطن انه اول مرة يسمع هذا السؤال !! الحمد لله بعد النقاش كاد ان يفهم ان اذا كانت اهدافنا الكبرى شخصية فماذا أضفنا وما هي مساهمتنا في النهضة !!

وصلت فانكوفر واستقبلني ابن عمي العزيز وقمنا بجولة في فانكوفر ...النظرة الاولى انها مدينة كبيرة ..لم اشاهد اي سعودي في الشارع فكما علمت ان بؤرة السعوديين هي " الداون تاون" .. زرنا النادي السعودي وكان مكانا رائعا .. اقيمت دورة رائعة واستمتعت كثييييرا بها ... حيث قضيتها نائما كالميت على احدى الكنبات بعد اكثر من 24 ساعة من السفر !!

الأربعاء، 1 يوليو 2009

الروح ... رخصية عظيمة

في الكتاب الرائع "نقطة التحول" قرأت نظرية رهيبة تنطبق على كثير من مظاهر الحياة .. " الاشياء او المظاهر الصغيرة تصنع تحولات كبيرة" ...

مالفرق بين خطوط طيران وأخرى ... كلها دفعت ملايين على طائراتها ومرابط طائراتها ومع ذلك يكون الفرق في اشياء بسيطة جدا ... منديل حار تقدمه لك المضيفة مع ابتسامة ... او طعام جيد وما الى ذلك ...

دخلت مقهى اندلسية في جدة الرائع حقيقة في نشاطاته الثقافية كنادي القراءة فيه ... ولكني كزبون لمقهى ماهي الاشياء الصغيرة التي جعلتني اعجب بهذا المقهى ...

ككثير المقاهي يوجد مقاعد مريحة وإضاءة جيدة وقهوة ممتازة .. ولكن ما ميز هذا المقهى هو الروح ... تحس انك لا تتلقى خدمات بل تدخل في جو ثقافي رائع ... فالكتب عن يمينك .. والاناشيد الاسلامية الراقية من فوقك بصوت هادئ ...

عندما جاء الموظف ليعطيني مشروبي انحنى بابتسامه ووضعه على الطاولة بجانبي وقال كلمات مثل "شراب هني" او كلمة كهكذا وتحس كأنك تجلس في العصر العباسي ... حقيقة لم افهم العبارة الطويلة التي قالها لانه لا يجيد العربية ويبدو ان ادارة المقهى هم من طلبو منه قول هذه العبارة بالتحديد ... بعد قليل مر علينا هذا الموظف بصحن وبداخله مجموعة كبيرة من قصاصات الاوراق المطوية .. قدم الصحن امامي وقال : " تفضل حكمة اليوم " ... فتحت تلك القصاصة الصفراء بهدوء ... وبحماس شديد :

"لم صديقك سرا ... ولكن مجده امام الاخرين "
ليوناردو دافنشي

كان تأثيرها علي مختلفا ... لم تكن كحكمة اسمعها من صديق او اقرأها من موقع .. احس انها كانت موجهة لي بالتحديد ... وكأن الحكمة تخاطبني ... احتفظت بها مطوية في محفظتي ..

هل تكلف هذه القصاصات الورقية وطباعتها أو الابتسامة والعبارة الجميلة شيئا !! انها تترك انطباعا رائعا وجوا مثاليا وتصنع الفرق والتميز للمحل والمنشأة ...
روح المحل .. روح المنشأة ... انها من تصنع الفرق ..