الجمعة، 30 سبتمبر 2016

من هم الكنديين؟



كانت فترة انقطاع ولا بد من عودة .. التطبيقات الجديدة تعطينا طرقاً أسرع وأسهل للتعبير بدلا عن الكتابة والتدوين! وكما أن متابعة الشبكات الاجتماعية كمصدر للثقافة يعطي فكرا سطحيا .. كذلك التعبير السريع يورث أفكارا مشتتة لا تترابط في الذهن. من هبات الكتابة أنها ترغمك على أن تجمع كل ما في ذهنك لتوجد صورة عامة وعلاقات تترابط لتخرج بنتيجة ، هذا التمرين الذهني مفيد لتكوين انطباعات أكثر عمقا ونضجا. ففي سبيل الكتابة تضطر لتبحث وتقرأ عن ما تكتب عنه ، وهو ما لا يحدث في التطبيقات العابرة!


قررت أن أبدأ ببساطة .. بعد قرابة نصف العام في كندا .. أتساءل ماهي الهوية الكندية .. كيف يعرف الكنديين أنفسهم ثقافة وشعبا؟ في الغالب لديك مصدرين لتتبع ذلك .. الخطاب الحكومي الرسمي .. أو الحياة اليومية بما فيها وسائل الإعلام ووسائل التواصل .

لا أعتقد أنه يوجد شعب أكثر تعددية وانفتاحا وتسامحا من الكنديين كخطاب رسمي .. بالطبع أتحدث عن الخطاب الحالي للحزب الليبرالي الحاكم .. حيث أن الأخير يتبنى الليبرالية بصيغتها التي لا تقبل بأي تمييز .. وبالطبع ذلك ينطبق على كافة الأديان وحقوق المثليين أيضا. من يشاهد خطاب رئيس الوزراء الكندي في مجلس الأمن الأسبوع الماضي يستوعب مدى حرص الكنديين على قيمة التعددية .. في الدقيقة الأولى من هذا الخطاب -الذي يستحق المشاهدة كاملا-  يذكر جستن ترادو "المسجد" .. ذلك المعبد الذي يشير إليه العالم بأصابع الاتهام يشير هو إليه كأحد دعائم المجتمع الكندي ..  من خطابه اقتبس عبارة له تلخص مدى فخر الكنديين بتعدديتهم
We are not strong despite our diversity, we are strong because we are diverse
"نحن لسنا أقوياء بالرغم من اختلافنا .. نحن أقوياء لأننا مختلفين"

تنعكس قيمة التعدد على بعض التشريعات .. على سبيل المثال في مقاطعة اونتاريو تعتبر أي مناسبة دينية إجازة رسمية يجب على صاحب العمل توفيرها لتلك الفئة .. فمن حقك أن تحصل على اجازة في عيد الأضحى وعيد الفطر -وإن كانت تخصم من رصيد إجازاتك-! وهناك تحركات لسن قانون يجرم التحيز ضد المسلمين تحديدا وللأسف هذا يعني وجود مشكلة بحجم ما!

من الناحية الأخرى وفي الحياة اليومية .. كندا كأمريكا تشكلت أساسا من مهاجرين ولكن بتعددية أكبر .. على سبيل المثال عندما تسير في شوارع تورنتو - وهي من أكثر مدن العالم تععدية - فأنت تسير في شوارع تتحدث اكثر من 150 لغة بأكثر من 200 عرق .. وبأكثر من نصف سكان تورنتو الحاليين ولدو خارج كندا.  أسكن في مدينة هاملتون القريبة من تورنتو والتي تظل متعددة ولو بشكل اقل بكثير من تورنتو ومع ذلك استطيع أن أقول انه نادرا جدا ما تجد تصرف عنصري او تمييزي .. يقدّر الكنديين أن تعيش باندماج مع محافظتك على قيم او اعتقادات مختلفة .. فكثير منهم يفترضون مثلا أنك كمسلم ستغيب لساعة يوم الجمعة للصلاة ويتقبلون ذلك .. بل في إحدى المرات سألتني الدكتورة يوم الخميس : "  لن تذهب للصلاة اليوم !" تحمست ( : يحكي لي أيضا زميل أنه في اول اسبوع له ومع ضغط العمل تحرّج أن يستأذن من الدكتور .. لما عرف الدكتور لاحقا انزعج انه لم يستأذن منه للصلاة!


التفسير بنظري لهذه الحالة من التسامح أنه لايوجد اغلبية عرقية! حتى البيض وبرغم من كثرتهم كنسبة إلا انهم من خلفيات مختلفة .. وهم إما من المهاجرين القدامى الذين تشربو الثقافة الكندية التي تحترم الجميع، او انهم من المهاجرين الجدد الذين يفهمون أن البلد للجميع ..في بعض المقاطعات توجد اغلبية عرقية -مثلا كوبيك واغلبيتها الفرنسية- وهذا يؤثر على التعدد وبالتالي التسامح! في استطلاع للرأي عن نظرة الكنديين للمسلمين كان سكان كوبيك الأكثر سلبية!


الطريف أنني لاحظت ان المرتين الوحيدتين التي لاحظت فيها رائحة تصرف عنصري كانت من مهاجرين حديثين من شرق آسيا  .. هذه الفئة هي الفئة التي لم تتشرب الثقافة الكندية التي تحترم الجميع وفي نفس الوقت تحس بالنقص وتريد أن تحس بالانتماء لل"الكنديين" الذي باعتقادهم هم البيض . 

قابلت مسلمين كثر وبعضهم مهاجرين للمرة الثانية كانوا في أوروبا ثم قرروا المجيء هنا .. الجميع يعيش بروح أن هذه بلده  براحة، له كل الحقوق التي يأخذها غيره بلا تمييز وعليه ماعليهم .. عدد المسلمين في الجامعات هنا كان فوق ماتوقعت بكثير .. في جامعة مك ماستر لاتستيطع ان تمشي أكثر من 5 دقائق قبل أن ترى محجبة!