الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

حياة بلا تقلّبات؟


 من اللحظات الجميلة التي عشتها مؤخرا هو يوم أن وجدنا مفتاح السيارة المفقود! خلال يومين "قلبنا" البيت ولم نجد اثرا له .. استحكم اليأس واتصلت بالشركة لترتيب مفتاح جديد .. وفجأة وجدنا المفتاح في مكان لم يخطر على البال .. بركات سلطان الله يحفظه!


أليس من الغريب ان تنقلب الاحداث الصعبة الى أبواب للحظات جميلة؟


لاحظت هذا الشيء أيضا مع العوائل التي بدأت اعمل معها مؤخرا .. قبل شهرين بدأت تدريب الزمالة في تخصص امراض الدم والاورام للأطفال .. لو دخل شخص فجأة على جناح التنويم حيث الأطفال يتلقون العلاج الكيماوي .. قد لا يصدق أبدا أن هناك عائلات في غاية السعادة هناك والسبب هو المرض وطبيعة الصراع معه .. ستجد تلك العائلة التي كانت طفلتها على أشراف الموت قبل أيام في حالة من السعادة والتطلع للمستقبل بعد ان رأوا أنهم قد تجاوزوا تلك المرحلة وبدأوا في رحلة أمل جديدة ..



الحياة بلا تقلبات جميلة على الورق رتيبة ومملة وجالبة للكآبة على الواقع .. بلا تقلبات لا يصبح للمرء أي مصاعب يتطلع لتجاوزها .. بلا محن لن يعيش الانسان فرحة انحلالاتها .. بلا تحديات يصبح المرء فارغا ذهنيا مما يجعل للأفكار السلبية طريقها إليه .. هي ليست دعوة على المرء بأن يبتليه الله .. بل أمرنا بسؤال العافية (وسلوا الله العافية) .. ولكن هي دعوة أن يغير الانسان من نظرته لكل ما يعترض حياته .. كل ذلك هو من طبيعة الحياة بل هو ما يجعلها تُعاش!


الجمعة، 22 مايو 2020

أبي المدرسة 2- "الفلّة" و "كراتين الرّمان"


كان أبي رحمه الله كثير السفر للخارج ..فمنذ صغري لايكاد يمر شهرين الا ويسافر إلى خارج المملكة .. هذه الرحلات  بالنسبة لنا مصدر سعادة نتطلع دائما لعودته منها ..توقظنا أمي بعد وصوله ونستقبله غالبا بعد منتصف الليل ونحن في حالة للنومِ أقرب منها لليقظة.. ونبدأ الفقرة المفضلة والمنتظرة: "الفلّة"

 
الفلّة عبارة عن توزيع غنائم السفر من ملابس وهدايا .. نجلس جميعا كالحلقة حوله على أرض غرفته .. وتأتي للوسط الشنطة تلو الأخرى ويبدأ في التوزيع: " وههذيييي للاستااااااذ" ويصمت قليلا ليتأكد من "تاق" المقاس .. ثم ينطلق اسم ذلك المحظوظ مرة "سلمان" ومرة "عبدالملك" .. وهكذا الى أن تفرُغ الشنطة تماما وتأتي التي تليها.. كان تقريبا كل مالبسناه في طفولتنا من حصاد هذه الرحلات .. إلا ان تلك مفاجآت  الشنط الاثنان أو الثلاثة الضخمة لم تكن تقتصر علينا .. فأحيانا يكون الفائز "يعرب" أو "ابراهيم" او" رهام" او "ياسمين" من أولاد العم .. حيث يُجمع نصيب كل عائلة على حدة خلال "الفلّة" ..

 

الملابس كان أكثر ما تحتويه فعالية "الفلّة" .. لكن هناك أنواع مختلفة من الرحلات تكون غنائمها "دسمة" .. فرحلات إيطاليا  تكون أنها مفضلة للعنصر النسائي .. فهي التي تعود بالشنط والماركات .. تكون عبارة عن عدّة شنط .. ويتم النقاش أمام الجميع كيف سيتم توزيعها .. على العائلة الممتدة .. ليس حسب الماركة وانما حسب الذوق .. "هذي تنفع ل"خلود" أكثر ولا يا "زين"" .. ثم تكون من نصيب صاحبها ..

 
من الفقرات المفضلة – خصوصا لنا كحضارم- معرفة كمية التفخيض على القطعة ..  "وهذي لقققطة .. يلا حزرو هذي الشنطة بكم؟" .. ويرمي كل واحد منّا رقما ثم ننبهر غالبا من السعر الاصلي وسعر التخفيض الكبير ..

 
مشهد توزيع الملابس والهدايا على جميع أفراد الاسرة الممتدة من الأمور التي لم انتبه لها في الصغر فقد كانت مجرد روتين .. الآن أدرك كمية حب والدي رحمة الله للعطاء للجميع وخصوصا اسرته من اخوان واخوات وابناءهم .. هذا العطاء يربيك على حب الخير للجميع وعدم حب الاستئثار بالخير للنفس .. لكن أمر العطاء علي كطفل لم يكن سهلا دائما .. ففي النفس البشرية حب فطري على التملك والتكّثر من الشيء ..
 

من أمثلة ذلك كراتين رمّان الطائف الذي كان مشهد توزيعها يسبب لي انهيار عصبي ( : كنا سنويا في عودتنا للرياض من العيد في الحجاز نمر على محلات الخضار في جبال الهدا .. ونشتري كراتين كبيرة من الرمان -  أعتقد أنها بين ال4 وال6 كراتين- .. كمية سعادتي كبيرة طوال طريق عودتنا للرياض وانا اشاهد كراتين تلك الفاكهة المفضلة تملأ شنطة ال"لاندكروزر" .. ولكن الطامة الكبرى تكون بعد أيام .. إذ أرى نصف هذه الكراتين يحمّل مرة أخرى في ال"جيب": "هذا لجدتك .. وهذا لعمك سبأ .. وهذا لعمك محمد" .. وأدخل في حالة طويلة من البكاء والندم على تلك الكراتين ..

 
مبدأ المشاركة كان حاضرا في حياتنا منذ الصغر .. ففجأة تجد "اللاندكروزر" إياه اختفى من البيت .. ثم يعود بعد اسبوع: "كان عند جدتك" .. ثم يختفي أخرى ويظهر مجددا .. وفجأة ترى "الكاديلاك" بعد سنوات من الخدمة قد صار في بيت آخر وهكذا .. ومن أكثر ذكريات المشاركة التي ضحكنا عليها كثيرا كانت قبل وفاته رحمة الله بأسابيع .. قررنا قضاء عيد الأضحى في المدينة المنورة وحجزنا جناحاً بثلاث أو أربعة غرف .. وما ان دخلنا الا ووجدنا أن عدد الأسرة على عددنا تماما او ينقصنا بواحد .. دقائق وإذ بأبي مع عمتي على التلفون: "خلود .. الجناح كبيير تعالوا معانا ومليااان سرر" .. طبعا أنتهى الحال بمعظمنا نحن الأولاد بالنوم بين الكنبة والأرض ..الا ان كانت الجمعة والعائلة هي ماصنع فعلا ذلك العيد ..

 
أخيراَ .. ندما دخلت الجامعة وبدأت ال"990" تدخل إلى حسابي الجامعة قال لي:" أبان .. تعطي منها لفلان وفلان كل شهر .. ولو مبلغ بسيط .. لو ما عودت نفسك تعطي الحين محا تعطي بعدين"

خواطر بسيطة من ذكريات مرة على خاطري في هذه الأيام المباركة .. رحمة الله رحمة واسعة وجمعنا بك في مستقر رحمته

الاثنين، 23 مارس 2020

بين التثقيف الصحي والاستعراض .. شعرة!


هل يشتكي الأطباء كثيرا في وسائل التواصل الاجتماعي من جداول مناوباتهم الممتلئة؟ ام من الجهد النفسي او الاحتراق الوظيفي من عملهم؟ شخصيا لا اجد ذلك الامر شائعاً. الأول لان هذا الشيء هو المتوقع من المهنة بطبيعتها، ولعدم وجود سبب وجيه لان يسرد الطبيب فجأة معاناته او يبحث عن دور بطولي من خلال عمل عادي يتوقع منه!

الطريف في أزمة كورونا أن البعض حوّل عمله المتوقع منه كطبيب المتوقع منه خدمه مرضاه ومجتمعه، إلى شخص يسرد تضحياته ومعاناته وكيف أنه يضحي من اجل مجتمعه أو الإنسانية! كيف أنه مكث في المستشفى لينام غيره في بيته، كيف أنه عرّض نفسه لخطر مرض قد ينتقل إليه أو لعائلته. إن كنت في المجال الطبي، فأنت معرض لهذه المخاطر بديهيا قبل أن تبدا مشوارك ، وهذا أمر يحدث بشكل روتيني من بدايات رحلتك كطبيب!
 
. أكاد أجزم أن الخطر اليومي الذي تمر به كطبيب بداية من الإرهاق البدني في ساعات العمل، او الإرهاق النفسي والاحتراق الوظيفي يفوق خطره عليك خطر فيروس احتمال ان تدخل بسببه لحاله صحية حرجة امر ضئيل حسابياً. نعم قد تكون سببا في ان ينتقل المرض لمن تحب من المعرضين لخطر أكبر، ولكنها "فترة وتعدي" بإذن الله وقد تحتاج أن تبتعد عنهم قليلاً.

الحالة التي يمر بها البعض تظهر لك ان الانسان مهما كان لديه من اهداف نبيله، فإن لديه تلك الرغبة بأن يقدّر الناس بذله وجهده، وقد يستغل الظروف لتحقيق ذلك. الإنسان هو الإنسان، يبحث عن التعاطف في الفرص التي قد يستجيب من حوله لنداءاته.

 كطبيب، لا أنكر الجهد العظيم الذي يقوم به زملائي، خصوصا من ناحية التوعية على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن، دوما هناك الشعرة التي ينبغي علينا ألا نتجاوزها!

الأمور قد تتطور وقد تكون هناك المزيد من التضحيات! حفظ الله الجميع