الاثنين، 1 فبراير 2016

الأندلس .. الأرض والشعر

 رحلة سريعة وجميلة إلى بلاد الاندلس..  أرضٌ قُدّر لنا كأمة أن نستوطنها قرونا .. لنسترجع قرونا أخرى مجد تلك الحضارة! ولأن الشعر الأندلسي لم ينفك أن يكون مكونا أساسيا من التراث الأندلسي لروعته .. خصصت الجزء الثاني فجمعت فيه ما راق لي منه ..

انطباعات الأرض : التاريخ والحاضر
-        رحلتنا امتدت لعشرة أيام .. تضمنت ملقا وغرناطة وقرطبة ومدريد وبرشلونة .. عشرة أيام مناسبة جدا لمشاهدة بقايا الآثار الإسلامية بالإضافة إلى اسبانيا الحديثة .. فترة الشتاء والربيع مناسبة جدا للزيارة حيث تصل حرارة صيف اسبانيا للأربعينات
-        سافرت ولدي انطباع مسبق عن البلد بأنها بلاد مشابهة لبلاد غرب أوروبا الأخرى خصوصا بريطانيا وفرنسا .. إلا أن الحال مختلف .. فاقتصاديا يبدو لك بوضوح من خلال الشوارع والبيوت أنك تتحدث عن اقتصاد مختلف البنية .. الاقتصاد الاسباني مر ويمر بظروف صعبة ونسب عالية من البطالة .. أما من الناحية الاجتماعية فأهل جنوب اسبانيا خصوصا (منطقة الاندلس – أو مقاطعة أندلسية كما يطلق عليه حاليا) يشابهون العرب في طباعهم من حب السهر والمتعة والاهتمام بالعلاقات الاجتماعية والعائلية .. على غير عادة سكان شمال اسبانيا .. لذلك تجد مطالبات من أقاليم الشمال بالانفصال حيث أصبح الجنوب عالة اقتصادية عليهم .. فالتجارة والصناعة ورؤوس الأموال والانتاج  والدخل القومي تتركز في الشمال والوسط ..
-        رغم ان السياحة مكون مهم في الاقتصاد الاسباني الا انه لم يعط ذلك الاهتمام مقارنة بما تجده في دول بآثار مشابهة (تركيا مثلا) ..  
-        رغم ان التاريخ الإسلامي في الاندلس حافل بالانجاز العلمي والفنون والترف والابداع مما قد يوحي لك بأنها فترة استقرت فيها واستتبت أمور الملك والسياسة .. الا انك إذا تفحصت تجد ان معظم قرون المسلمين في الاندلس كانت بين صراعات في الشمال ضد القشتاليين وفي الجنوب مع الثورات المتكررة من البرابرة وغيرهم .. فقد بدأ الفتح الإسلامي على يد موسى بن نصير وطارق بن زياد كامتداد لدولة بني امية أي كولاية من ولاياتها .. ثم لما بدأت الخلافة العباسية دخل إليها عبدالرحمن الداخل وأسس الدولة الاموية في الاندلس .. ثم بدأت بالانهيار على أيام الحاجب المنصور وأتت دويلات توحدت لاحقا تحت راية دولة المرابطين على يد يوسف بن تاشفين .. ثم أتت دولة الموحدين .. ثم تشتت الحكم إلى ممالك وصلت إلى 22 مملكة استعان بعضهم أحيانا بالنصارى على بعض ! هذا الأمر يدعوا للتساؤل هل الاستقرار هو الضامن للازدهار الحضاري والثقافي؟ ام ان هناك أمورا اهم والاستقرار السياسي هو مجرد عامل فيها!؟
 
الشعر
اجمع هنا بعضا بعض من جميل أبيات وحكايا الشعر الاندلسي:
-        قصائد بن زيدون وولادة بن المستكفي (ابنه المستكفي بالله ملك اشبيلية) في الغزل .. حيث احبّا بعضهما فكانت من الأبيات التي قالتها فيه ولادة:
أغار عليك من نفسي ومني .. ومنك ومن زمانك والمكان
ولو أني خَبَأتك في عيوني .. إلى يوم القيامة ما كفاني
وقد حدث ان فسدت العلاقة فيقال ان ابن زيدون احب جارية سوداء فعاتبته:
لو كنت تنصفُ في الهوى مابيننا .. لم  تهوَ جاريتي ولم تتخّيرِ
وتركت غصنا مثمرا بجماله .. وجنحت للغصن الذي لم يثمرِ
ولقد علمتَ بأنني بدر السما .. لكن دهيت لشقوتي المشتري
فرد عليها بقصيدة شهيرة وجميلة جدا يستسمحها.. منها:
 أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْـلاً مِـنْ تَدانِيْنـا .. وَنَابَ عَـنْ طِيْـبِ لُقْيَانَـا تَجَافِيْنَـا
ألا وقد حانَ صُبـح البَيْـنِ صَبَّحنـا .. حِيـنٌ فقـام بنـا للحِيـن ناعِينـا
مَـن مُبلـغ المُبْلِسينـا بانتزاحِهـم .. حُزنًا مـع الدهـر لا يَبلـى ويُبلينـا
أن الزمان الـذي مـا زال يُضحكنـا .. أنسًـا بقربهـم قـد عـاد يُبكيـنـا
غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا .. بـأن نَغُـصَّ فقـال الدهـر آمينـا
فانحلَّ مـا كـان معقـودًا بأنفسنـا .. وانبتَّ مـا كـان موصـولاً بأيدينـا
لم نعتقـد بعدكـم إلا الوفـاءَ لكـم .. رأيًـا ولـم نتقلـد غـيـرَه ديـنـا
حالـت لفقدكـم أيامـنـا فَـغَـدَتْ سُودًا .. وكانـت بكـم بيضًـا ليالينـا
لا تحسبـوا نَأْيكـم عنـا يُغيِّـرنـا .. أن طالمـا غيَّـر النـأي المحبينـا
والله مـا طلبـت أهواؤنـا بــدلاً .. منكم ولا انصرفـت عنكـم أمانينـا
عليكِ مِنـي سـلامُ اللهِ مـا بَقِيَـتْ .. صَبَابـةٌ منـكِ نُخْفِيهـا فَتُخفيـنـا
 
 
ومن جميل الشعر الاندلسي أيضا قصة عبدالرحمن الداخل .. عندما رأى نخلة في الاندلس فتذكر أيامه في الشام .. فقال:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة ..  تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنوى .. وطول التنائي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة .. فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
سقتك غوادي المزن من صوبها الذي .. يسح ويستمري السماكين بالويل
 
وقصيدة أخرى عن شاعر لم تُعرف له إلا هذه القصيدة .. وهو ابن زريق البغدادي .. وقصته أنه له زوجة ببغداد لهم حياة طيبة ملؤها الحب لكن العوز كان ينغص أيامهم .. فكان كثير السفر طلبا للرزق .. وكانت زوجته تقول له أن حياتنا باجتماع وعوز خير من سفرك الكثير طلبك للمال .. وفي إحدى رحلاته للأندلس ألقى على أحد ملوكها قصيدة لكن الخلفية انشغل عنه .. فحزن ابن زريق وذهب .. ثم تذكره الخليفة بعد زمن فأرسل في طلبه .. فوجدوه في خان .. نائمٌ وتحت رأسه رقعه فيها هذه القصيدة يخاطب فيها زوجته .. وقد فارق الحياة :
لا تعذلـيـه فــإن الـعـذل يولـعـه .. قـد قلـت حقـاً ولكـن ليـس يسمعـه
جاوزت فـي لومـه حـداً أضـر بـه .. مـن حيـث قـدرت أن اللـوم ينفـعـه
فاستعملـي الرفـق فـي تأنيبـه بــدلاً .. من عذله فهو مضنـى القلـب موجعـه
قـد كـان مضطلعـاً بالخطـب يحملـه .. فضيقـت بخطـوب الـدهـر أضلـعـه
يكفيـه مـن لوعـة التشتيـت أن لــه .. مـن النـوى كـل يـوم مـا يـروّعـه
مـا آب مــن سـفـر إلا وأزعـجـه .. رأي إلـى سـفـر بالـعـزم يُزمـعـه
كأنمـا هـو فــي حــل ومرتـحـل .. مـوكــل بـفـضـاء الله يـذرعــه
إنِ الزمـان أراه فـي الرحيـل غـنـى .. ولو إلى السـد أضحـى وهـو يزمعـه
ومـا مجـاهـدة الإنـسـان توصـلـه .. رزقـاً ولا دعـة الإنـسـان تقطـعـه
قـد وزع الله بيـن الخـلـق رزقـهـمُ .. لـم يخلـقِ الله مـن خـلـق يضيـعـه
لكنهـم كلفـوا حرصـاً فلسـت تــرى .. مسترزقـاً وسـوى الغـايـات تُقنـعـه
والحرص في الرزق_والأرزاق قد قسمت .. بغـي ألا إن بغـي المـرء يصـرعـه
والدهر يعطي الفتى مـن حيـث يمنعـه .. إرثـاً ويمنعـه مـن حـيـث يطمـعـه
أستـودع الله فـي بغـداد لـي قـمـراً .. بالكـرخ مـن فلـك الأزرار مطلـعـه
ودعـتـه وبــودي لــو يودعـنـي .. صفـو الحـيـاة وأنــي لا أودعــه
وكم تشبث بـي يـوم الرحيـل ضحـىً .. وأدمـعـي مسـتـهـلاتٌ وأدمـعــه
وكـم تشفـع لــي كـيـلا أفـارقـه .. وللـضـرورات حــال لا تُشـفـعـه
لا أكـذب الله, ثـوب الصبـر منخـرق .. عـنـي بفرقـتـه لـكــن أرقّـعُــه
إنـي أوسـع عـذري فــي جنايـتـه .. بالبيـن عنـه وجـرمـي لا يوسـعـه
رزقـت ملكـاً فلـم أحسـن سياسـتـه .. وكـل مـن لا يسـوس المُلـكَ يُخلعـه
ومـن غـدا لابسـاً ثـوب النعيـم بـلا .. شـكـر علـيـه فــإن الله يـنـزعـه
اعتضت من وجـه خلّـي بعـد فرقتـه .. كأسـاً أجـرّع منهـا مــا أجـرعـه
كم قائـل لـيَ ذقـت البيـن قلـت لـه .. الذنـب والله ذنـبـي لـسـت أدفـعـه
ألا أقمـت فـكـان الـرشـد أجمـعـه .. لـو أننـي يـوم بـان الرشـد اتبـعـه
إنــي لأقـطـع أيـامـي وأنـفـدهـا .. بحسـرة منـه فـي قلـبـي تقطـعـه
لا يطمئـن لجنبـي مضـجـع وكــذا .. لا يطمئـن لـه مـذ بنـتُ مضجـعـه
ما كنـت أحسـب أن الدهـر يفجعنـي .. بــه ولا أن بــي الأيــام تفجـعـه
حتـى جـرى البيـن فيمـا بيننـا بيـد .. عسـراء تمنعـنـي حـظـي وتمنـعـه
قد كنت من ريب دهـري جازعـاً فرقـاً .. فلـم أوق الـذي قـد كنـت أجـزعـه
هـل الزمـان معـيـدٌ فـيـك لذتـنـا .. أم الليالـي التـي أمضـتـه ترجـعـه
فـي ذمـة الله مـن أصبحـت منـزلـه .. وجـاد غيـث علـى مغنـاك يُمـرعـه
مـن عنـده لـي عـهـد لا يضيـعـه .. كمـا لـه عهـد صــدق لا أضيـعـه
لأصـبــرن لـدهــر لا يمتـعـنـي .. بـه ولا بـي فــي حــال يمتـعـه
علمـاً بـأن اصطبـاري معقـبٌ فرجـاً .. فأضيـق الأمـر إن فكـرتَ أوسـعـه
عسـى الليالـي التـي أضنـت بفرقتنـا .. جسمـي ستجمعنـي يومـاً وتجمـعـه
وإن تـغُـل أحــداً مـنــا منـيـتـه .. فمـا الــذي بقـضـاء الله يصنـعـه؟