الاثنين، 30 ديسمبر 2019

الرقم أم الإنسان؟


" أعتقد انني سأكون أكثر نفعا بأموالي اذا انشأت مستشفىً او تبرعت لمعالجة مئات او الاف المرضى بدلا من أن اخدم عددا محدودا في عيادتي"

أعترف أني لما سمعت هذه العبارة من احد من تحول من الطب الى التجارة اني نالني شيء من الغضب .. لكأنه انتقص من عملنا .. وكأننا مجرد عمال وكل المجهودات العظيمة تأتي من أصحاب الاموال .. واعترف انني كنت أفكر يوما بهذه الطريقة عندما ترددت لدخول هذا المجال!

 

قد يكون هذ الغضب مرجعه نوع من ال"ايقو" .. وقد تكون العبارة قد مست جانب شخصي .. لذلك أقول الفكرة من مبدئها منطقية .. لكني أرى منطلق الفكرة هو من الموجة المادية التي يعيشها انسان هذا العصر .. فكل ما ننظر إليه حاليا هو "الرقم" اكثر من التجربة الانسانية العميقة التي نعايشها مع الناس ..

 

مهما توفرت لدى البشر من الامكانات المادية والتقنية .. فلا غنى له عن الانسان الذي يعايشه ويصارع معه همومه ويقاتل معه في معركته للحياة .. لكل شخص الخيار كيف يريد أن يخدم غيره بالطريقة التي تناسبه ويجد بها نفسه .. لكن بالتأكيد خدمة الانسان مباشرة لاتقل أبدا عن تمويل من يخدمه!

 

أتنمى أن لا تغمرني الماديات يوما وافقد هذا المعنى! وأسأل الله ان يجمع لي الحُسنيين

الجمعة، 1 نوفمبر 2019

سعيد فاشل او تعيس ناجح؟


 تفاجأت مؤخرا ضمن حديث شخصي مع بعض ممن اراهم اشخاصا ناجحين: الظاهر شيء والمشاعر شيء اخر! وفي نفس الوقت سمعت عما قدُ يعرّف فشلا عند اخرين ونفسياتهم عالية وعلى أفضل مايكون!



المفارقة تكمن ان الناجح تهيأت له مكونات السعادة والرضى الداخلي .. لكنه يعيش صراعا داخليا عمّا يظنه الناس عنه ويحمل هما عمّا قد تفاجؤه به الايام .. ينما من حُبكت له ملابسات التعاسة قد قرر أن تكون نفسه وسعادتها فوق كل ما قد يظنه الناس به او يتحدثون عنه ..
  
ما أراه أنه كما ان النجاح المهني او المالي هبة وعطاء إلهي ونقطة يصل لها الانسان بالجهد والمثابرة .. فكذلك السعادة والرضى .. هي نعمة قد يعطاها أي شخص بغض النظر عن الظروف المحيطة .. وهي أيضا حالة نفسية تعززها الثقة والعلاقة بالله وتدريب النفس أن تكون على تلك الحال من الرضى في كل حال ..

الجمعة، 11 أكتوبر 2019

"وقولوا للناس حسناً"

كان لدي اعتقاد ان البشر عندما يصلون الى مرحلة معينة من الإنجاز والنجاح ترتفع لديهم الثقة فلا يلتفتون إلى كلام من حولهم .. مع الزمن ومن معرفتي القريبة لبعض من اصنفهم من ضمن هذه الطبقة من البشر .. اكتشفت ان الجميع يبحث عن تلك الكلمات من التشجيع والتطمين او أحيانا المديح مهما بلغ مستواهم ..


مقطع اوبرا هذا أثر فيني .. قررت ان اضعه هنا حيث المدونة بالنسبة لي جدار و أرشيف يحتفظ بالأفكار المهمة لي التي قد احتاج ان ارجع لها كل فترة..

في هذه المرحلة من الحياة العملية أعيش على الجانبين .. الجانب الذي احتاج فيه الى هذه النوع من التأكيد .. وفي نفس الوقت الجانب الذي ينتظر فيه من هو دوني  وحولي هذه الكلمات .. اجد فرحة في عين من انقل له عبارات التأكيد عن أداءه مما يجعل هذا السلوك أمر قابل للإدمان .. فيه طاقة إيجابية تنتقل للطرفين ..

لا تنسى دائما مهما كانت الظروف ان من حولك وخصوصا من هو دونك هو دوما في انتظار الى مثل هذه الكلمات ..

بين الحين والأخر تمر علي عبارات قالها لي اشخاص حولي وبالتأكيد قد نسوها .. لا تزال تلك الكلمات الإيجابية تمر علي بين الحين والأخر!!


(وقولوا للناس حسناً)

الجمعة، 20 سبتمبر 2019

جُمع مكماستر

 
قررنا مؤخرا ان نقيم صلاة الجمعة في  "المركز الروحي" للمستشفى مع زيادة عددنا .. ولان معظم المصلين اطباء .. قررنا وضع حدود تناسب الجميع .. الخطبة لاتتجاوز 15 دقيقية بحيث تقام كل الصلاة في اقل من ثلث ساعة ليتسنى للجميع الحضور
 
على الرغم من بساطة الوضع الا ان خطب الجمعة ووقعها على النفس مختلف .. اعتقد لسببين :
الاول انها مختصرة .. لديك 15 دقيقة تعطي فيها كل تركيزك .. الثاني ان الخطب تمس جوانب حياة الانسان اليومية التي يعايشها (الايمان .. الامتحان .. المصائب .. العلاقة بالله ...)
 
خطبة اليوم كانت جميلة مختصرها عن آية (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات وبشر الصابرين .. الذين اذا اصابهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون ..) .. الاية تحمل معنيين مهمين (تأمل وليس تفسير):
 
-1-
عبارة "ولبلونكم" هي خبر: سنبلوك ايها الانسان .. اما بخوف .. جوع .. مصيبة في مالك او نفسك او اهلك ورزقك..الامر قادم لامحالة .. هل هذه سوداوية؟ بالعكس اجدها واقعية واستعداد نفسي مهم لمواجهة تقلبات الحياة .. هل يتسوي عندما تحل بك مصيبة فتُصدم نفسيا وتتفاجأ لانك لم تضع احتمال لحدث كهذا؟ ام انك تستقبله وانت على علم ان امرا شبيها سيقع ولكنك تجهل تفاصيله ..
هناك مصطلح في علم النفس يسمى
Resiliency
لا اعتقد انه له ترجمة عربية لكن قد يعني "المرونة" وهو قدرة الشخص على مواجهة مشكلات وتحديات الحياة وتخطيها .. شخصيا اعتقد ان للدين والايمان جانب مهم من ذلك ..فهذه النفسية في فهم الحياة وحتمية المصائب مثال ..
 
 
-2-
(الذين اذا اصابهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون)
فبمجرد حدوث المصيبة يكون لجوءهم لله .. وكأن هذا لمحة انهم على استعداد لذلك .. فدور الايمان الحقيقي في المصيبة لا يبدأ بعدها .. بل بالاستعداد النفسي قبلها بتقوية الصلة بالله .. وتأتي نتيجة هذه الصلة حال وقوع المصيبة 
 

الثلاثاء، 30 يوليو 2019

محاولة للعودة

كل ما تتقدم في الحياة تزيد المسؤوليات وتجد من الصعب أن تستمر في عادات معينة اذا تركت هذه العادات لوقت الفراغ .. الكتابة في المدونة من هذه العادات التي اجد ان المشاغل تبعدني عنها .. لكن هل الانسان لايملك الوقت؟ لا! فمع المشاغل لايزال الانسان لديه وقت ليقضي ساعات يوميا على أمور جانبية (مثل اليوتيوب او تويتر) .. لذلك سأحاول أن استمر في هذه العادة ولو بأن اكتب في أمور بسيطة كتجارب بسيطة او أمور تعلمتها .. لدي مذكرات يومية اكتب فيها من حوالي 10 سنين .. لكن الكتابة في المدونة شيء مختلف لانك تشارك أفكارك فتحاول ان لاتكون مجرد مذكرات او انطباعات ولكن تجربة مفيدة لمن يمن عليك بقراءة ماتكتب!


قبل يومين وصلنا لكندا بعد 5 أسابيع قضيناها في الرياض منها 4 أسابيع كدورة اختيارية في أحد مستشفيات الرياض الكبيرة .. كثيرا ما يسألنا الكنديون لماذا تتدربون في كندا طالما هناك برامج تدريبية جيدة لديكم .. من ضمن الفوائد الكبيرة في التدريب في الخارج هو رؤية بيئة وطرق العمل المختلفة عندنا ومحاولة اخذ المحاسن فالطب ليس مجرد معلومات .. هناك بعض الجوانب التي رأيت فيها فرقا عن ماتعودت عليه في كندا خلال 3 السنوات التدريب الماضية .. من المهم محاولة اكتشاف هذه الفروقات ومحاولة العمل على حلها .. من ضمن الأمور:

- تقبل التطورات الجديدة: معروف ان الطب دائم التطور .. والقدرة على مواكبة اخر المستجدات -قد- تكون صعبة .. رأيت بعض الممارسات التي توقفت كندا وامريكا في القيام بها (كاستعمال بعض ادوية الألم لمخاطرها الجانبية) .. المشكلة ليست فقط في عدم معرفة هذه التطورات .. ولكن عدم تقبل البيئة لتطور جديد عندما تشرح وجهة نظرك (إنا وجدنا آبائنا على أمة!)

- التواصل مع المرضى: مع محاولة الكليات الطبية التركيز على جانب التواصل مع المرضى الا انه لايزال هناك خلل كبير لما نحتاج ان نصل إليه .. لا اتحدث عن ترف في التواصل وانما أمور أساسية تؤدي الى عدم رضى المرضى واهاليهم عن الخدمة ... الأمل ان يكون الجيل القادم من الأطباء قد استفاد وطبق مايدرّس حاليا في الكليات.

 

الاثنين، 25 مارس 2019

الانسان أناني والناس يتغيرون!


من الكتب المثيرة التي وقعت عليها مؤخرا كتاب

The Elephant In The Brain

هذا الكتاب باختصار يغور في دوافع الانسان ويفضح كثيرا من الادعاءات "المثالية" .. مع الكتاب - للأسف- ستجد نسفك تشك في كثير من تصرفات من حولك أو حتى نفسك !! الكتاب هو عبارة عن بحث يصل إلى ان للإنسان دوافع خفية لمعظم تصرفاته (قد تمتزج بدوافع إيجابية) ...  تصرفات الانسان تعود في النهاية لخدمة دوافع أنانية لديه (او نفعية على الأقل) أحيانا بوعي وأحيانا أكثر بدون وعي .. 






الكتاب يتعرض لمواضيع عديدة لكن حبيت أسلط الضوء على بعض الاسقاطات في الحياة اليومية:

- الشراء: بديهي اننا نشتري من شركات معينة لاجل الارتقاء في السلم الاجتماعي (سيارة معينة .. ملابس ..) .. لكن الكتاب يتحدث أيضا عن نوع اخر من السلوك الشرائي لنفس الهدف للتعبير عن الهوية: شراء المنتجات الصديقة للبيئة ليس بالتحديد "لعيون الطبيعة" .. ولكن رغبة في ان يكون الانسان ضمن طبقة راقية فكريا وصلت لهذا النضج في الشراء! فكما أن البعض يفخر بسيارته الفارهة .. صاحب السيارة الهجينة يفخر في كونه ذلك المتحضر صديق البيئة! بحث مثير على مجموعة من "أصدقاء البيئة" وجد ان خياراتهم تختلف عندما لا يراهم الناس حال شرائهم عن طريق الانترنت!  باختصار .. الشركات تبيعنا منتجات لنعبر بها عن هويتنا وليس مجرد لتأدية الغرض الأساسي .. ونقوم أحيانا بسلوك شرائي لتقمص هوية معينة ..

- الناس الطيبة: بعض الناس يعرفون بطيبتهم فيمن حولهم .. هل هو شيء متجذر أم انه سلوك لدوافع أخرى؟ سلوك لكسب شعبية وقبول .. كسب صداقات وعلاقات .. او خدمة الناس لاجل ان يكون لك "دَين" اجتماعي لديهم .. تتضح الفكرة بشكل أوضح أنك تجد الشخص اللطيف قد تتغير شخصيته حسب الظروف او المحيط الاجتماعي.. مثال شخصي: معظم طاقم التمريض الذين اتعامل معهم حاليا لطيفين بشكل كبير .. بينما تعاملت سابقا مع نفس هؤلاء الأشخاص قبل ان يعرفوني ورأيت جانبا آخرا من شخصياتهم .. الطيبة والتعامل الحسن أحيانا كثيرة جسر لأمور أخرى اذا انعدمت أخرج الانسان حقيقته ..لذلك يقال دائما اذا أردت أن ترى أخلاق الانسان فانظر إلى تعامله لمن هو أدنى منه او لايعرفه ..



على نفس السياق .. يقال كثيرا "فلان تغير" او "الناس تتغير" .. بينما في الواقع الانسان هو الانسان .. انما الذي اختلف هو الظروف او المشاعر او الرغبات التي تغيرت فأظهر في الانسان خلاف ما عُرف عنه!هذه فقط بعض الأمثلة .. الكتاب يتحدث عن جوانب خرى مثل تفسير الضحك وفق هذه النظرية (اذ ان الضحك اكثر من مجرد ردة فعل للابتهاج بل ووسيلة تواصل اجتماعي) .. الاحاديث اليومية .. الأبحاث.. التعليم .. الطب  ..

على سلبية الفكرة التي قد يراها البعض .. الا انها مفيدة لان يفهم الانسان تصرفات من حوله ولا يُصدم بهم! وعلى الجانب الشخصي يعي ان لديه هذه الدوافع ويحاول الا تحكم تصرفاته!