الجمعة، 15 نوفمبر 2013

متعة التلذذ بالمحنة



كتب رحمه الله على تويتر قبل وفاته بأشهر قليلة :
"الصبر أكثر من مجرد حبس المشاعر وترويضها .. إنه متعة التلذذ بحرارة المحنة .. لتغدوا بردا وسلاما" .. وكأنه يخاطبنا ..

الصبر والتصبر .. هو السبيل للحياة التي جبلت على الكدر والمصائب .. الدار التي مهما احلوت لك يوما فستُيئُ لك في آخر .. هي هكذا .. ولن تكون أول من يكتشف هذه السنة الكونية .. ولكنك بالتأكيد ستتأكد من ذلك بنفسك مع الأيام .. لذلك فالصبر والتصبر ليس خيارا مثاليا أو كماليا .. إنه السبيل للتعايش بطمأنينة مع طبيعة الحياة .. ولن يأتيك الصبر والرضى تلقائيا .. إنه حصيلة لرحلة إيمانية وتفكرية تحتاج إلى الكثير من الخيال والافتراضات وبعد النظر والعون من الله أولا وأخيرا ..

قد لايكون من اليسير أن تتخيل كيف للمصيبة أن تغدوا بردا وسلاما .. ولكنك تستمد العون في رحلة التصبر ممن يحب عباده ويقدِر أن يحول حالهم بـ"كن" فـ"يكون " .. ممن قال رسوله : " ومن يتصبر يصبره الله" .. فينزل سبحانه على قلوبهم السكينة والرضى ويبدلهم خيرا مما أُخذ منهم .. كما كان الوعد " ما مِنْ مسلِمٍ تصيبُهُ مصيبَةٌ فيقولُ ما أمرَهُ اللهُ : إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللهمَّ آجرْني في مُصيبَتِي ، واخلُفْ لي خيرًا منها . إلَّا آجرَهُ اللهُ في مصيبَتِهِ ، وأخلَفَ اللهُ لَهُ خيرًا منها" ..


في رحلة التفكر في التصبر.. عليك أن تتخيل الأسوأ لتحمد الله على ستره .. عليك أن ترسم قصصا خيالية لخيارات وأقدار كان أيسر ما على الله أن يجريها عليك .. وانظر حولك من شتى البلاءات التي لم يكن سبحانه عاجزا أن يضعك مكان أصحابها ..



في رحلة التفكر في التصبر عليك أن توقن أن الله لم يختار لك إلا الخير لك .. "أفرأيت ملكا يفسد في ملكه؟" .. ولكن قصور نظرنا بلطف الله في قدره والخير الذي رتبه والشر الذي صرفه هو مايقلقنا ويفتح باب الخيال لنا بأنه إذا لم يكن ماكان لكنا في حال خير مما نحن عليه الآن .. "إنما يؤلم المنع لعدم الفهم عن الله فيه" .. " متى فتح لك باب الفهم في المنع ، عاد المنع عين العطاء"



رحلة التفكر في التصبر تحتاج إلى إدراك حقيقي لمعنى الحياة الدنيا .. إدراك لمعناها الزائل .. تلك الحياة التي لاتعدوا عن كونها ممرا قصيرا ومعبرا ضيقا للقاء من نحب .. ألم يؤكد لنا سبحانه أن الحياة قصيرة في خطاب سيجري بعد زوالها  : "قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين .. قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين .. قال إن لبثتم إلى قليلا لو أنكم كنت تعلمون" ..  فلعل الله أحب لقاء عبده وأحب إكرامنا بالمصيبة فالصبر عليها.. ليؤنسنا سبحانه يوم نلقاه فيخاطبنا : ألم أقدر - وأنا على كل شيء قدير-  أن احفظه لكم عمرا مديدا .. ولكني أحبكم .. نعم أحبكم .. اخترت لكم كدرا مؤقتا لأرفع درجاتكم .. اخترت لكم لحظات فراق يعقبها نعيم لم تكونوا لتبلغوه لولا حبي لكم بقدري هذا : "إن الله تعالى ليكتب للعبد الدرجة العليا في الجنة فلا يبلغها عمله ، فلا يزال يتعهده بالبلاء حتى يبلغها" ..



رحلة التفكر في التصبر تحتاج إلى إدراك عميق لمدى المنحة التي أهداك الله إياها .. نعم المنحة .. 


لقد اكتشفت شيئا بعدما حدث ماحدث .. أن المصيبة تقربك للناس وتقرب الناس منك .. سيحس أحدهم بأنه قادر على إظهار الجانب الخير فيه .. بإحسانه لك .. سيبادر لخدمتك .. سيحرص حتى البعيد بالسؤال عنك .. كان الكثير منهم يحسون  بأن لديك الأب الذي يدافع عنك ويخدمك .. فهم اليوم أقرب منك واكثر استعدادا للمبادرة في خدمة أبناء صديقهم وأخيهم الذي فقدته وفقدوه .. هكذا هم الأوفياء وهم كثر ولله الحمد ..

إن هي إلا حياة قصيرة .. كم عشت منها حتى الآن .. حاول ان تسترجعها سريعا .. مهما طالت وكثر فيها فرحك وحزنك وانجازاتك واحباطاتك فلن تعدوا ان تكون خيالا يمر في ثواني ... نعم هي هكذا يوم تلقى الله .. لتحمده على مابلغك حينها


ومهما حاولنا التصبر فلن نستطيع أن ننزع من قلوبنا شعور الفقد .. قد ننزعج أنه قد غادرونا .. ولكن من أين افترضنا أننا  في حال خير منهم  .. إن أكرمهم الله بفضله – وهذا ظننا بالله- فقد يتمنون أن نلحق بهم إلى كرم الله الواسع .. إننا لانملك نافذة لنرى ماذا خلف الموت .. ولكنهم قد يكونون في حال تحت كرم الله لو خيروا أن يعودوا إلينا ما عادوا ..  


لك الحمد يارب حتى ترضى .. ولك الحمد إذا رضيت .. ولك الحمد بعد الرضى

اللهم أحينا حياة طيبة واجمعنا مع من نحب مع أنبيائك والصالحين في رحمتك

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

ربط الله على قلوبكم دوماً واتم عليكم نعمة الرضى

انتم يا ابان مثال للشاب المسلم الذي نفتخر به و ارى فيكم شخصية عظيمة لامتها و وطنها ، بارك الله في والدين انجبا و ربيا مثلكم واخوتك جميعاً واقر عيني والدتكم بنجاحاتكم وجمعكم في عليين مع والدكم الفذ رحمه الله

غموض يقول...
أزال المؤلف هذا التعليق.
غموض يقول...

جزاك الله خير